كتبت - سميرة سليمان
يقول المثل "إذا نبح كلب عجوز، فإنه يقدم نصيحة" المسنون
الذين يسيرون على طرقات أكثر، ويأكلون أطعمة أكثر، ويقرأون كتباً أكثر،
لديهم خبرة أكثر، ويتمتعون بسعادة أكثر، ويعانون من مشقات أكثر، ويكونون
ذوي خبرة ومعرفة مع تجربة حياة أكثر ثراء، إن هؤلاء العمالقة المثقفين
الذين بزغوا في التاريخ الصيني تركوا وراءهم مقالاتهم المشهورة الخالدة،
وهي التراث الحضاري المشترك للبشرية كلها.
هكذا يبدأ كتاب "الحكماء يتكلمون" وهي سلسلة تتكون من مجموعة
كتب، تضم أقوال حكماء الصين ومفكريها الذين نثروا في كلّ بقعة من بقاعها
الشاسعة روائع الأقوال فسرت من جيل إلى جيل تحمل معها المعرفة والخبرة
لتصبح تراثاً حضارياً مشتركاً للبشرية كلّها.
هذا التراث العظيم جمعته دار صينية في سلسلة أصدرتها بلغتها
الأصلية، وإذا بأهم الدور العالمية تتلقّفها وتترجمها إلى لغتها. وإلى
العربية ترجمتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم والدار العربية للعلوم
ناشرون، فتعاونا على إصدار السلسلة باللغة العربية في خمسة أجزاء.
تغطّي سلسلة "الحكماء يتكلّمون" فترة تدعى "الربيع والخريف"
(481 _ 722 ق م) وفترة "الممالك المتحاربة" (221 ـ 475 ق م) من تاريخ
الصين، وهما فترتان ذهبيتان للفكر الصيني القديم.
خلال هاتين الفترتين بزغت مدارس فكرية عدة، وتشعّبت منها
تيارات كثيرة، واقترنت أسماء مفكّريها باللاحقة اللفظية النبيلة "تسي" التي
تشير الى مكانة أصحابها المرموقة.
ومن هذه المدارس التي تألقت في ذلك الزمن: المدرسة الطاوية،
والمدرسة الكونفوشيوسية، والمدرسة الموهية، والمدرسة المنطقية، والمدرسة
الشرائعية، والمدرسة العسكرية، ومدرسة ين ويانغ، وغيرها من المدارس، التي
اتفق ممثلوها فيما بعد وأنشأوا أكاديمية أطلقوا عليها اسم "جيشيا" في مملكة
"تشي".
وكان الأمير شيوان حاكم مملكة "تشي" رجلاً مستنيراً يحب
العلم، وقد اشتهر بأنه تزوّج من امرأة قبيحة لكنها متقدة الذكاء، كانت
تسانده وتهيئ له أجواء الاتصال بالمثقفين والخبراء والعلماء.
وفّر الأمير جميع المقوّمات لإغراء هؤلاء بالبقاء في مملكته.
فكلما كانوا يأتون لإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات كان يخصص لهم الإقامة
والطعام والمعونات الحكومية بدون أن يستفسر أبداً عن أصولهم وخلفياتهم.
كان العلماء يتجادلون في ندوات. يكتبون الكتب لشرح وتفسير
مبادئهم ومذاهبهم، دعا بعضهم إلى الخير، فيما دعا بعضهم إلى الاستقامة،
ودعا غيرهم إلى الحرية المطلقة.
لم يستمرّ هذا الوضع في مملكة "تشي" طويلاً لأنّ الممالك
الأخرى كانت في حالة حرب دائمة. وعندما وحّد تشين شي هوانغ هذه الممالك
خلال تبوُّئه العرش (206 ـ 221 ق م) وحكم الصين كأول امبراطور لها عيّن لي
سي رئيساً للوزراء، وكان هذا الأخير متعصباً ومتزمتاً تجاه التيارات
الفكرية والروحية فأمر بحرق الكتب كافةً مستثنياً منها كتب الطب والتنجيم
وزراعة الأشجار. ودُمّرت بذلك كل مجموعات الشعر وكلاسيكيات المدارس الفكرية
المتعددة.
وحذا الامبراطور وو الذي تسلم العرش (88 – 140 ق م) حذو
سابقيه، لكنه اتخذ الكونفوشيوسية مذهباً رسمياً للدولة واعتبر المدارس
الأخرى كالطاوية والشرائعية مذاهب منشقة ومهرطقة.
وسعياً لمواصلة بقائها بعد عمليات اكتساح تعرّضت لها، اتخذت
بعض المدارس الفكرية غير الكونفوشيوسية، أشكالاً متجددة فحفظت بذلك أعمالاً
كلاسيكية مهمة بقيت متوافرة حتى أيامنا تلك، وتحتوي هذه الأعمال على أقوال
حكيمة ورؤى ثاقبة مفعمة بالذكاء والدهاء، وقد قام الناشر بجمع تلك الشذرات
من الحكم والأقوال التي قالها الحكماء القدامى المنتمون الى مذاهب مختلفة،
ونستعرض في ما يأتي أبرز أقوال هؤلاء الحكماء المشاهير في الحياة والحكم
والحرب والدولة.
- إذا كان المرء يحب غيره ولا يبادل بمثل هذا الحب فعليه ان يحاسب نفسه ليتأكد إن كان له قلب رحيم أم لا.
- ادرس بتوسع واشرح بدقة.
- من لا يخجل من تأخره فكيف له أن يدرك تقدم غيره؟.
- الدولة التي لا تثق بالرجال الأكفاء والأفاضل لا تجد من يخدمها.
- في الزمن القديم كانت اخطاء الحاكم مثل كسوف الشمس وخسوف القمر.
- حُكم دولة عظيمة يشبه قلي سمكة صغيرة.
- لا كارثة أعظم من الاستخفاف بالعدوّ.
- إذا كان الناس لا يخشون الموت، فما الفائدة من محاولة تخويفهم به؟.
- إذا انحنيت فأنت بذلك تصبح مستقيماً.
- الحكيم يعرف نفسه، ولكنه لا يُظهر نفسه.
- تعامل مع الأمور قبل أن تحدث، وعالج الأمور قبل أن تبدا بالاضطراب.
- الكلمات المخلصة لا تكون رقيقة، والكلمات الرقيقة لا تكون مخلصة.
- الذي يعرف الآخرين حكيم، والذي يعرف نفسه مستنير.
- لا تدلّل من تحبّ.
- لا تقلق من عدم وجود الوظيفة، بل من عدم وجود القدرة.
- لا تتراجع عن الحقّ حتى ولو كنت تواجه أستاذك.
- الحرفيّ يحضّر أدواته قبل أن يبدأ عمله.
- عدم تصحيح الخطأ هو خطأ حقيقي.
- إذا كنت مغرماً بالتعلم فأنت تدنو من المعرفة.
- لا تفرض على الآخرين ما لا تفرضه على نفسك.
- قليل الأقوال سريع الأفعال.
- إذا كان تصرّف الحاكم سليماً، أطاعه عامة الشعب من دون أن يصدر إليهم الأوامر.
- الرحمة هي روح الإنسان، والعدالة هي طريقه.
- لا يخالف المثقف العدالة إذا كان فقيراً، ولا ينحرف عن الطريق القويمة إذا احتلّ مكانة رفيعة.
- الشفقة هي أوّل الرحمة.
- محاسبة النفس بإخلاص مسّرة كبرى.
- الثقة الكاملة بأقوال كتّاب التاريخ، أسوأ من عدم وجود كتّاب.
- حبّ الوالدين رحمة.
- لن تعرف ثقل شيء ما طالما أنك لم تزنه.
- لا ينجز المرء عملاً إلا إذا ترك بعض الأعمال.
- الذي سرق صنارة يحكم عليه بالإعدام، في حين أن الذي يغتصب السلطة يصبح أميراً.
- البحر الواسع لا يفيض إذا صبّت فيه المياه، ولا يجفّ إذا أخذتها منه.
- لا أحد يرى صورته في المياه الجارية بل يراها في المياه الراكدة.
- العاقل لا يتكبّر أمام غيره بمنزلته العالية حتى وإن كان ملكاً.
- إذا كنت تعرف كلاً من عدوك ونفسك فإنك لن تنهزم في أي قتال.
- يكمن الخير في إخضاع العدوّ دون قتال.
- يجب شنّ هجمات مباغتة على مواقع لا تحرس خلال مناسبات غير متوقعة.
- يسعى الماهر في قيادة القتال إلى كسب زمام المبادرة لتجنب الوضع السلبي.
- من مبادئ الحرب الأساسية: إخضاع مملكة العدو كلها خير من احتلالها بعد هزيمتها.
- معاملة الجنود بلطف مفرط من قبل القائد تمنعه من أمرهم ومن قيادتهم.
- من يكون ماهراً في الهجوم، لا يترك مجالاً لعدوه ليعرف كيفية الدفاع.
- يجب معرفة ظروف العدوّ مقدّماً.
- لا يجوز لملك شنّ حرب نتيجة لحظة غضب.
- الحاكم الرحيم لا يخالفه أحد.
- إذا اعتبر الملك سعادة الجماهير بمثابة سعادة له، اعتبرت الجماهير سعادته بمثابة سعادة لها.
- المرء لا يتعرض لإهانة الغير ما لم يفتح للغير طريق إهانته.
- من يطوع غيره بالقوة لن يقتنع أحد به، وإنما سيخضع له بسبب الضعف، أما من يطوع غيره بالأخلاق السامية فسيرضى به الناس تماماً.
- الدولة مستقرة ما دام الملك مستقيماً في حكمها.