بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد:
لقد تفضل الله على هذه الأمة فأكمل لها دينها ، وأتمَّ عليها النعمة ، فرضي لها أعظم دين عرفته البشرية ، وأرسل لها أفضل مخلوق صلى الله عليه وسلم ، وأنزل لها أجل كتاب ، إنه اصطفاء تكريم ونجاة ، فأدركت الأمة في قرونها الأولى حجم هذا التكريم ، فأحسوا بمسؤولية عظيمة أمام الله تعالى تجاه هذا الدين العظيم ، ليس في أنفسهم فحسب ، بل في كل قطر من أقطار الأرض ، فراحوا يفتحون البلدان ، ويجوبون الفيافي ، ويقطعون الوديان ، ليبلغوا دين الله تعالى ، حتى حكمت الخلافة أرض الله عز وجل ، فأصبح المسلمون مناراً يهتدى به ، ونبراساً يستضاء بنوره ، أمتهم قائدة ، وبالحق ظاهرة .
ملكنا هذه الدنيا قرونا *** وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء *** فما نسي الزمان وما نسينا
ودارت رحى السنين ، لتطحن في شبابنا هويتهم الإسلامية ، فضعفت الهمم ، وانهزمت أمام تيارات الغرب والشرق ، حتى لهى شبابنا بأتفه الأمور ، وأهون الأشياء ، فتناسوا تاريخهم ، وانشغلوا عن ماضيهم ، فأضاعوا حاضرهم ومستقبلهم ، فانساقت منهم طائفة خلف وهم السعادة ، يبحثون عنها فلم يجدوا إلا سرابها .
وما فتئ الزمان يدور حتى *** مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي *** وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر *** سؤال الدهر أين المسلمونا
نعم أين المسلمون : وقد تعلقت فئة من شبابهم بأذيال أرذل الخلق ، فتشبهوا بأخلاقهم ، ولباسهم ، وعاداتهم ، حتى أصبح الفخر بما يلبسون ، وما يتكلمون ، وما يفكرون .
وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة الذي خشي على أمته من هذا الانصياع والتراجع عن الدين فقال : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ، حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ )) رواه البخاري ومسلم .
وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة الذي خشي على أمته من هذا الانصياع والتراجع عن الدين فقال : ( لتتبعن سنن من كان قبلكم ، حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ )) رواه البخاري ومسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاع ،ٍ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ ؟ فَقَالَ : وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ )) رواه البخاري.
فتأمل _ يا رعاك الله _ كيف أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى وهم أهل الكتاب ، ومضاهاة لفارس والروم وهم الأعاجم .
واليوم نشهد جميعاً أحوالاً غريبة وتصرفات مريبة من بعض شبابنا هدانا الله وإياهم : اللباس غير لباسنا ، والألفاظ غريبة على لغتنا ، حتى حاولوا تغيير الخلقة لتناسب الطريقة الأجنبية !!
وليت أن الأمر استقر على طريقة واحدة فحسب ، بل ما بين فترة وأخرى نرى أشكالاً جديدة ، ملامحها : البعد عن سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم و هدي السلف الصالح رضي الله عنه ، فحينما نتساءل عن هذا الوضع ، نجاب بأنها الموضة الجديدة التي يشاهدها أبناؤنا عبر بعض القنوات الفضائية !! ولو تأملت فيها لوجدت أن غايتها تأنيث الرجال ، وقتل حياء النساء .
وليحذر المسلمون من أن يعتقدوا أن التشبه قضية سطحية لا عمق لها ، بل إن لها أبعادًا خطيرة ، وخطيرة جداً ، وهذه الأبعاد أدركها سلفنا فأبوا أن يقلدوا الكفرة في كل صغير وكبير ، فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : (( أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهديًا ، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة ، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا )) .
فهل أدركت يا أخي أن التشبه في المظهر قد يوصل إلى الانسلاخ من الدين والعقيدة !!
لنتساءل : لماذا نصوم يوماً قبل عاشوراء أو يوماً بعده ؟ صحّ عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : (( صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود )) أخرجه عبد الرزاق والبيهقي وغيرهما .
لنتأمل : لماذا رسول الأمة صلى الله عليه وسلم يأمر بإعفاء اللحى وحف الشوارب ؟ يقول صلى الله عليه وسلم : ((جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى وَخَالِفُوا الْمَجُوسَ )) رواه أحمد وهو صحيح .
ليعلم الذائبون من شبابنا في تفاهات التشبه بالكفرة والملحدين أن التقليد في الأزياء والعادات لن يرضي من يقلدون ويتمثلون ، حتى يتبعوهم في ملتهم ، وهذا مصداق قول الله تعالى : {
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ
مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ
اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } .
إن سببًا خفيًا وراء هذه التقليعات الغريبة على ديار الإسلام لم يكن سريانه في النفوس في وقت قصير أو بطرق قليلة ، بل أخذ وقتًا من أعداء الدين وجهدًا ليسا باليسيرين ؛ ألا هو الهزيمة النفسية ، وسحق الثقة في تعاليم الدين ونصرته ، وغرس فكرة اقتران الرجعية بالإسلام ،وأن الحضارة صناعة الغرب فحسب !!
غير
أنه من لب القول هنا في هذا المقام أن أنوه بالجهود الخيرة التي تبذلها
المؤسسات التعليمية في بلادنا الحبيبة التي تجبر الطلاب على نبذ التقليد
الأعمى لغير المسلمين ، يتمثل ذلك في منعهم من ارتداء أنواع من الملابس التي تحمل شعارات هدامة ، أو صور تافهة ، وإلزام الفتيات بزي موحد شعاره الحشمة والأدب ، وإنزال العقوبات الرادعة بكل من يخل بتعاليم الدين وهدي خير المرسلين ، فالحمد لله على نعمة الإسلام وعلى تطبيقه ، اللهم دلنا إلى تعاليم دينك ، وحبب إلينا سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، إنك سميع مجيب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق