الأربعاء، 25 أبريل 2012

تعامل مع نفسك.. كإنسان

بسم الله الرحمن الرحيم.. حين تريد السفر إلى مكان ما، فإنه يلزمك ابتداءً معرفة الاتجاه الذي سوف تسير فيه، وبأي وسائل النقل ستذهب.
وهذا تحديداً هو المطلوب منك في مسيرتك إلى الله!!
فالاتجاه في هذه المسيرة هو النهاية المحتومة التي يعجز كل واحد منا عن إيقاف انجراف أعمارنا القهري نحوها مع كل ساعة ودقيقة وثانية!! مما يجعل هذا العنصر خارج عن سيطرتنا تماماً!!

ونحن معه على خيارين: 

إما التيقظ الدائم له وترويض النفس على التفنن في استثمار العمر في الطاعات، حتى إذا ما جاءت لحظة النهاية كانت بمثابة ساعة الفرج، إيذاناً بصحبة الأحبة في الجنة!!
وإما المزيد من الإمعان في التغافل عنه؛ حتى تأتي النهاية بغتة؛ فتختنق النفس، ويضيق الصدر، ويتقطع القلب حسرة على التفريط في جنب الله، وفوات فرصة هذا العمر بأسره عياذاً بالله في الغفلات!!
أما وسيلة النقل، فهي بمثابة ما سوف تتخذه في سفرك من مقومات مادية ملموسة، مع الأخذ في الاعتبار تلك الفوارق الكبيرة بين مختلف هذه الوسائل، فقد يكون السفر بركوب دابة يلزمك توفير علفها مع تهيئة النفس لمشاق الطريق الطويل!!
أو دراجة عادية تستهلك منك الصحة والطاقة!! أو دراجة نارية، ولن يكون السفر بها أمراً يسيراً على كل حال!! 
أو سيارة قديمة تكابدك الأمرين بسبب أعطالها المتكررة، أو حديثة، ولكن يلزمك توفير ثمنها أو قيمة أجرتها!! أو أن تختصر هذا كله بشراء تذكرة سواء لقطار أو باخرة أو طائرة مع اختلاف قيمتها المالية.
ما أعنيه هنا هو أن الجميع مسافرون، وإن اختلفت وسائل النقل بينهم، وهنا يجدر بنا إسقاط هذا المثال على واقعنا!!
فكل واحد منَّا كبشر لديه من مقومات الخير والشر ما يعلمه وما لا يعلمه مما لا يظهر على السطح إلا عند  موافقة العوامل المناسبة!!
وبالتالي دعنا نفترض أن أجسادنا هي وسيلة النقل في هذا السفر الطويل إلى الله، وبحسب ما توفر لدى كل واحد منَّا من عوامل الخير والشر، يمكنه تحديد اعتباره وسيلة نقل جيدة أم غير جيدة!!

فبصفة عامة كل واحد منَّا لديه:

قلب وعقل وروح ونفس، وله متطلبات حيوية لحياته، مثل المأكل والمشرب والنوم وقضاء الحاجة . . إلخ.
وفي داخله خليط من النوازغ كالشهوة والغضب والحسد وحب الاستعلاء إلى غير ذلك، ولديه أيضاً العديد من المشاعر، كالفرح والحزن والحب والكره والعطف والقسوة والحنان والشدة.
وتتداخل هذه العوامل بحسب الظروف المحيطة بالإنسان، كالبئية والصحبة والظروف المادية والاجتماعية وغيرها من العوامل.
إلا أن هناك ثلاث عوامل رئيسة، لو اتحدت واتفقت على قيادة المركبة نحو النجاة؛ لاعتبرت هذه المركبة من أرقى المراكب قدراً، غير أن حدوث الاضطراب أمر وارد كلما اختلفت تلك العوامل مع بعضها البعض.
أما لو اتفقت تلك العوامل الثلاث على قيادتها نحو الهلاك عياذاً بالله!! فلن تستغرق المركبة وقتاً طويلاً؛ لفقدان الكثير من عوامل الخير التي يصعب تعويضها مستقبلاً، وهذا بالطبع إذ لم تغرق المركبة في الحال، أو في وقت مبكر!!
وهذه العوامل الثلاثة، هي القلب والروح والعقل، أما النفس فيتم إرغامها إرغاماً على ما تم الاتفاق عليه، لأنها بطبعها متمردة، ومتغطرسة!! وترغب في تحقيق رغباتها على الدوام، دون النظر إلى أي العواقب!!
وبهذا التقسيم تحددت لدينا القيادة المتمثلة في هذه الثلاث(القلب والروح والعقل) أما البقية، سواء كانت المتطلبات الاعتيادية لحياة الجسد، أو النوازغ أو المشاعر، فتمثل الرعية، ومن ثم يتم توجيهها حسب تعليمات تلك القيادة، علماً بأنه قد يقع من تلك الرعية في كثير الأحيان بعض المخالفات.
وهذا أمر متوقع كونها تقع تحت طائلة (الصفات البشرية) التي قد يعتريها النقص أو الخلل، إلا أن دور القيادة يتطلب اليقظة الدائمة في إجبار ذلك النقص، أو تصحيح ذلك الخلل؛ حتى لا تجنح السفينة نحو الهلاك عياذاً بالله!!
وهنا نصل سوياً إلى بيت القصيد من هذا المقال!!
فالنقص أو الخلل الذي يعتري أنفسنا في كثير من الأحيان، ولا أقول في بعض الأحيان، وإنما أؤكد على قولي في(كثير) منها، إنما يمثل محاولات الشيطان المتكررة، باعتباره العدو الكامن لهذه السفينة في الخفاء بقصد إغراقها مستثمراً ذلك النقص أوذاك  الخلل في أمرين من أشد الأمور خطورة، وهما :
أولاً : فقدان الثقة في النفس!!
ثانياً : إحداث خلل في القيادة!!
أما الأول، فبإلقاء شعور في روعك كإنسان من أنه لا فائدة منك، وأنت تعاهد الله في كل مرة على فعل الخيرات وترك المنكرات، ولكنك ترجع وتعود إليها مراراً وتكراراً!!
وقد ضعفت أمام نوازغك النفسية، وخارت قواك أمام شهواتك ورغباتها!! فعن أي عزم تتحدث، أو لأي توبة تروم؟! وبالتالي يدخلك قفص العجر، ويغلقه عليك بهذا المشاعر الشيطانية الكئيبة السوداء!!
أما الثاني، فحين يتأكد من استقرار مشاعر اليأس من نفسك في نفسك!!
وأنك قد رفعت الراية البيضاء مستسلماً لتلك المشاعر من العجر والقنوط!!
حيينها يثير على نفسك رياح التمرد على كل ما كان في الماضي من حب للخير أو تقيد بحلال أو حرام!!
لإحداث خلل كبير في عجلة القيادة، من خلال إسقاطك في مستنقع المعاصي، وحجبك عن بيئة الطاعات، وبالتالي فلا زاد من ذكر لله يصل إلى القلب ليضخ بدوره الحياة في تلك الروح لتواصل طريقها نحو المزيد من الرقي!!
ويطمس سواد المعصية فيك نور العقل وبصيرته، بعدما يقطع شريان الحياة الواصل بينه وبين ما يعقله قلبك ابتداءً ويفقهه، فتكون عياذاً بالله من الذين لهم قلوب لا يعقلون بها!! وبالتالي تشرف السفينة بأكملها على الهلاك!!
والحق أنه لو أتقن كل واحد منا كيفية التعامل مع نفسه كإنسان، تعتريه الكثير من صفات النقص وعوامل الخلل.
وعرف كيف يسدد ويقارب، كلما غلبت عليه تلك الصفات، أو اعترته هذه العوامل؛ لنجح بسهولة في استعادة دفة السيطرة على السفينة والاتجاه بها مجدداً نحو النجاة بإذن الله، وحيينا فقط لن يجد الشيطان سبيلاً للسيطرة على نفوسنا.
بل وقد نبلغ من منزلة الرقي في تزكية النفس بعون من الله، ما نعجله يعجر من الأساس حتى عن الإيقاع بنا في أي معصية مهما تصاغر حجمها، حيث أن البصيرة بمسالك طريق السفر وحدها كفيلة بإذن الله بإرشادنا عن المواطن الآمنة لوضع أقدامنا، والمواطن التي تحفها المخاطر، وبالتالي يمكننا السير بأمان.

وفيما يلي تطبيق عملي لبعض الأمثلة في التعامل مع النفس البشرية :

ينتابني الكسل وضعف العزيمة على القيام بالطاعة حينما أكون وحيداً!!
الضعف من عوامل النفس البشرية، ويحتاج الإنسان لعوامل خارجية لإزالة هذا الضعف.
إذا في الصحبة الصالحة علاجك، حيث أن المرء ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.
 --------------------------------------------------------------------------------
قتلتني الشهوة وأوقعتني في كثير من المعاصي!!
كإنسان فيك الشهوة، وهي تتحرك كلما توفرت عواملها.
إذا لا تتيح الفرصة لنفسك مطلقاً بالجلوس أمام المواقع الإباحية، واعقد العزم على أن تجعل بينك وبين ذلك حاجزاً فولاذياً بتذكرك الدائم (أن من ملأ عينه من حرام، ملأها الله ناراً يوم القيامة!!) واجتهد في غض البصر.
واعلم أن المشقة التي سوف تعانيها في سبيل تحقيق ذلك، هي ثمن حلاوة الإيمان التي سوف تجدها في قلبك بإذن الله، وبالتالي سوف تستعلي على شهوتك المحرمة.
عاينت نور الطاعة وظلمة المعصية، فعزت علي نفسي أن ترى حالها بعد هذا العز من ذل!! فتواريت عن الأنظار خجلاً مما أوقعت نفسي فيه، حيث لا يليق بمثلي صحبة الأخيار!!
الإنسان يتقلب بين القوة والضعف، والطاعة والمعصية، والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
إذا عليك بأن تحول هذه المعصية إلى طاعة، من خلال جعلها نقطة انطلاق جديدة نحو رحاب الله والجنة، بحيث يطلق الندم شرارتها القوية نحو التوبة الصادقة، فتبلغ بإذن الله مرتبة التائبين الصادقين، فيبدل الله سيئاتك حسنات.
هذه بعض الصور التي توضح الأسلوب الذي ينبغي أن يتعامل كل واحد منا مع نفسه كإنسان، تعتريه من صفات النقص ما الله به عليم، ولا يظنن ظان أنه صار بمنأى عن كبوات النفس وهفواتها؛ مهما بلغ من الطاعات.
حيث أن هذا الشعور بمفرده كفيل بأن يجعل مشاعر القنوط أثقل على نفسه من غيره إذا وقع في المعصية عياذاً بالله.
إذ سيحاول الشيطان إشعاره منذ الوهلة الأولى بهول ذلك السقوط الحر من أعلى منازل الطاعات إلى أسفل دركات المعاصي!! مما يتيح للشيطان بلا شك شن هجوم كاسح عليه، كي يأصل في نفسه مُرّ الهزيمة!!
ولا يفوتني أن أذكر نفسي وإياكم بأنه يجب علينا أن نكون أطباء قلوب، نمد يد الرحمة للناس، حتى ننتزعهم من براثن الشيطان وتقنيطه.
واعلموا أن الغارق في متاهات المعصية كالطفل الذي تركته أمه وحيداً في الصحراء، فاجتمعت عليه معاناة الجوع والعطش ومخاطر نهش الذئاب، حتى كاد الموت أن يدركه، فجاءته يد حانية لتمسح دموعه، وتهدأ من روعه، وتروي عطشه.
وتمنح له الأمل في الحياة من جديد، فبكى من شدة الفرحة وتعلق بهذه اليد تعلقاً شديداً، بل وارتمى في أحضانها لا إرادياً لأنها وهبت له الحياة من جديد، فكونوا أنتم إخواني هذه اليد الحانية دوماً، حتى تأخذو بيد البشرية نحو النجاة.
قال صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي: (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي) رواه الترمذي وصححه الألباني
أسأل الله أن يعيننا وإياكم على طاعته وأن يثبتنا وإياكم عليها  وأن يجعلنا مفاتيح خير لقلوب العباد، إنه ولي ذلك والقادر عليه
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الكاتب: أبو مهند القمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بث مباشر للمسجد الحرام بمكة المكرمة