الأربعاء، 25 أبريل 2012

إيران.. تحرير القدس أم تهديد مكة!

 
كتب : محمد رشيد 

طهران "آيات الله" لا تفاوض ولا تحاور، فهي تنتصر أو تهزم، تلك هي الحقيقة البسيطة التي يتجاهلها العالم كله رغم الفشل المدوي لكل مفاوضات أو حوارات جرت مع إيران منذ سقوط نظام الشاه عام 1979، ولا يستطيع أي كان تقديم دليل واحد إن كانت طهران التزمت يوما بأي اتفاق يخالف أهدافها التوسعية، وكل ما يجري مع طهران ليس أكثر من هدر وقت ثمين للغاية، وأثمن كثيرا للشعب الإيراني ومستقبله.
لا فرق لدى القيادة الإيرانية إن كانت الطموحات والأطماع مستندة الى جذور قومية ممتدة من الإمبراطورية الفارسية، أو الى لعبة المصالح الإقليمية، أو معتقدات مذهبية فعلية، فبإمكان "آيات الله" دوما إيجاد وإطلاق فتاوى مذهبية تضلل الروح التوسعية، وبإمكان القيادة السياسية الإيرانية توفير الغطاء الوطني والقومي لأي نزوع عدواني توسعي في الإقليم ما دامت كل الطرق تؤدي الى الهدف نفسه.

عنصران أساسيان يتحكمان بأي سلوك أو قرار سياسي إيراني يصعب على أي كان، ومهما كان حجمه، تجاوزهما أو تجاوز أحدهما، الفارسية والمذهبية، أي القومية والروحية، فالتبشير شيء والمصالح شيء مختلف تماماً، فمثلا جميع "آيات الله" تقريبا يتحدثون اللغة العربية بطلاقة كاملة، ويحفظون القرآن، والعديد منهم كتب بحوثا باللغة العربية، ولكن من المستحيل أن يتحدثوا في الاجتماعات الرسمية او حتى الودية منها باللغة العربية، في تعبير مثالي على الروح القومية المتزمتة، وافتخارا قوميا يفوق الافتخار الإسلامي.

ذلك التزمت كان صدمة للزعيم الراحل ياسر عرفات ونائبه الراحل أبو جهاد، فبالرغم من كل الدعم الذي قدماه للثورة الإيرانية وهي تكافح ضد حكم الشاه، رفض الامام الخميني في بداية انتصار الثورة الإسلامية التحدث إليهما بالعربية، مع أنه كان يفعل ذلك قبل انتصار ثورته وعودته من المنفى، وكان يفعل ذلك خلال سنوات إقامته في النجف الأشرف قبل أن يطلب منه صدام حسين الرحيل بعد اتفاقية الجزائر.

حقيقة أخرى صدمت كلا القائدين الفلسطينيين، فقد جربا طرح موضوع تحرير فلسطين، بل إن أبو جهاد رحمه الله كان أكثر حماسا وعفوية، فحمل معه الخرائط العسكرية والطرق والمواصلات، وافكارا عن التحالفات الإقليمية لذلك الحلم، لكن الإمام الخميني رحمه الله صدم تلك الأحلام بأن أعلن أن الطريق الى القدس لا يمر إلا من قلب بغداد، وكان ذلك مزجا خطيرا بين المصالح القومية الفارسية والشعارات المذهبية.

الرئيس العراقي الراحل صدام حسين هو من بادر الى الحرب، ردعا أو عدوانا أو تحريضا من الغرب، حرب أدت الى طحن الشعبين والجيشين، قبل أن ينسحب لاحقا ويسلم بالاتفاق، لكن ليس هناك ما يثبت أن إيران لم تكن تستعد لحرب مع بغداد، بل هنالك وثائق ومعلومات تؤكد العكس، ففكرة الثورة الإسلامية الإيرانية كانت وما زالت تبشر بالتوسع الإقليمي عبر الحروب، أو بالتغير العنيف من الداخل.

الجميع ينسى الجملة الشهيرة للإمام الخميني حين أجاز توقيع الاتفاقية العراقية الإيرانية لإنهاء الحرب، وعندما قال الإمام "أوافق على هذا الاتفاق مثلما أقبل تجرع السم"، فإنه بذلك القول كان يترك وصية أبدية بعدم الالتزام بذلك الاتفاق أو التخلي عن الأطماع في العراق، بانتظار أقرب فرصة تأتي مستقبلا، حتى إن كانت فرصة مع الشيطان، والفرصة جاءت مع "الشيطان الأكبر" في حربين، فوقفت إيران الفارسية على جبهة الشيطان!!.

أصابع "آيات الله" تلعب هذه الأيام كثيرا في المنطقة، فلقد بلغت اليمن بعد أن اجتازت العراق وهي تحاول الالتفاف على الكويت والبحرين والسعودية، أصابع تعبث بسيادات دول وشعوب المنطقة، خاصة في وداعة دول الخليج وسعيها نحو التنمية والاستقرار وبناء مجتمع يكون فيه الإنسان الخليجي مرفها وهنيئا في حياته، وتقدم نموذجا من الرفاه يتابعه المواطن الإيراني بحسرة كبيرة، مواطن يعاني الضيق والقهر السياسي أكثر كثيرا من أيام الشاه، مواطن يرى ثرواته تهدر بلا تحقيق تقدم في أبسط الخدمات التي يحتاجها.

تلك الأصابع تتوهم باستنادها الى الحق الإلهي وإرث الإمام علي ابن أبي طالب "كرم الله وجهه" ابن عم رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وسبطه الأبرار، لكنها تعلم أن ذاك وهم هدفه إشعال فتنة لن تنتهي بحرب مئة عام، حرب تقود الى فرز الشعوب والمجتمعات وتقسيم الدول الى دويلات على أسس مذهبية، فتنة بدأت تفرض نفسها بقوة على مشاعر "السنة" وتؤسس لنفير لم نشهده من قبل، دعك من الدخول التركي الواضح على خط الأزمة.

زيارة أحمدي نجاد الى جزيرة "أبو موسى" الإماراتية المحتلة خطوة لاستفزاز مقصود، حاول البعض أن يفسرها تحويلا للضغط والأنظار عن ملف الحليف "نظام بشار الأسد"، إن كان ذلك صحيحا فهو ليس أكثر من الآثار الجانية غير المقصودة للزيارة، وطهران حرصت أن تعلن بعد تلك الزيارة مرحلة جديدة في مخططها لتثبيت وفرض سيادتها على يابسة لا تملكها، وخلق وقائع يصعب علاجها في المستقبل.

ومن الأجدر بالجميع أن يؤمنوا مرة واحدة والى الأبد بحقيقة اقتناع إيران أن الخليج كله ملك منتزع منها، وأنها تعني ما تقول بتصميمها على فارسية الخليج، وتشريع إجراءات وقرارات لمعاقبة من يقر بعروبة الخليج، فإن لم تستطع إيران لأي سبب ابتلاع دوله دفعة واحدة، أو دولة دولة، فلا بأس من القضم البطيء، وهدم مجتمعاتها من الداخل، ومن الأجدر للجميع أن يقتنعوا بذلك.

وقد تمر سنوات وعقود قبل أن يقتنع الجميع أن لا إمكانية نهائيا لوضع حد لإيران ولطموحاتها الإقليمية وسعيها وراء القدرة النووية بالحوار والتفاوض، والمشكلة إن جاء ذلك الاقتناع متأخرا، وهو اليوم متأخر أصلا، فإيران لا تبني القدرة النووية لتحرير القدس، إنما تفعل ذلك لتهديد مكة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بث مباشر للمسجد الحرام بمكة المكرمة